١٥ تشرين الثاني، ٢٠١٠

التعب والانهيار العصبي -1-

التعب هو اشارة تحذير، ضوء احمر. امامه يتوجب على المحرك البشري ان يفرمل، ويتوقف تماما. الراحة والنوم هي حاجات طبيعية وتصبح اكثر ضرورة كلما زاد النشاط وتواصل.النوم هو فترة استراحة خلايا المخ تتخلص فيها من الفضلات السامة التي تجمعت خلال النشاط،وعليه نستطيع القول ان نقص النوم ينتج عنه تسمم حقيقي.اذ ان الخلايا الدماغية تستنفذ احتياطاتها وتتراكم بها الفضلات السامة,خلال النوم تعيد تشكيل احتياطاتها الغذائية التي هي مصدر طاقتها
التعب اذن هو آلية طبيعية تمكن الانسان من الاستعداد للنوم وكذا تفادي تسمم الخلايا الدماغية Intoxication de ses cellules cérébrales.

اذن بعد النوم. يجب ان يحس الانسان انه على اتم الاستعداد للعمل وخلاياه قد استعادت حيويتها. كل انسان يفترض ان يصحو منتعشا يغني محتفلا يميلاد يوم جديد...مع ذلك فلننظر حولنا... التعب من اكبر مصادر العجز الحالية, بالكاد يبدا اليوم و ترى معظم الناس يجرون تعبهم الذي التصق بهم كالغراء.. هذه هي الاسطوانة المعاصرة:
-منذ الصباح احس بالتعب... في الصباح اكون سريع الغضب... في الصباح اكون شريرة ولاتفه سبب اتشاجر... في الصباح احتاج لطاقة كبيرة كي افارق السرير وابدا العمل... لكن يختفي كل هذا حوالي الساعة 11...
هذا التعب ليس طبيعيا ومن الواضح انه تعب شاذ اصبح كالوباء.انه تعب اصبح نمط حياة ولا تستطيع حتى راحة مطولة ازالته.
نعلم جيدا ان الحياة المعاصرة بسباقها المحموم تعيق غالبا الوتيرة الطبيعية للانسان. لكن الاسوا اننا اصبحنا ننظر بسلبية للتعب ونعتبره عجزا اراديا منبوذا. التعب "fatigue" يقودنا الى بذل جهد غير مناسب"effort inadéquat ما يقودنا للاستبسال وتجاهل التعب ومواصلة الجهد وهذا ما يؤدي الى استنفاذ الطاقة ..حين يصل الانسان الى مرحلة استنفاذ الطاقة اما ان يدخل مرحلة الاثارة او الاهتياج العصب agitationاو ان يدخل مرحلة الانهيار العصبي"dépression"
اثارة"Agitation" هي طاقة مغلوطة "وهمية" فرط نشاط وعدوانية تترجم احتماعيا على انها ارادة كبيرة وطاقة عظيمة وحالة من اللاتعب تحوز على الاعجاب ونقوم بمكافاتها
"dépression" انهيار عصبي اي نقص في الطاقة وضعف وتراجع امام الظروف الطارئة تترجم على انها نقص في الارادة رفض بذل مجهود وجبن فتولد الاحتقار وبالتالي العقاب
معنى هذا الكلام ان انسانا يمكن ان يكون محتقرا ويعاقب لانه في حالة من التعب الشديد كما يمكن ايضا يصبح محل اعجاب ويشكر لنفس السبب"l'épuisement'
لنلقي نظرة عن قرب احتقار التعب:اجواؤنا المعاصرة مبنية على فرط النشاط، المنافسة، العدوانية والارادة الزائفة "volonté hypertendue"نسمع دائما "يعصبني هذا، كيف يستطيع ان يكون بهذا الهدوء؟" او "اف، كم هو بطيء دائما ياخذ كل وقته"او " كم يعصبني هذا.. كانه لا يملك اعصابا"وهذه بعض الاقوال الماثورة في عصرنا الحالي:
-هيا تخطى تعبك ليس لدينا وقت لنتعب...
-تعبت؟ لكنك رجل؟ اليس كذلك؟ اذن تغلب على تعبك
-تعبت؟ ليس عليك سوى ان تبذل مجهودا اكبر..
-انا ان كنت تعبانا ام لم اكن... دائما الى الامام...
-تحس انك تعبان ومكتئب؟ ...اذن الى موقع الهجوم وانطلق...
-انت مكتئب؟ انها محض تخيلات قليل من الارادة ويزول كل شيء...
امام هذا السيل الهائل من السخافات ماذا يفعل شخص متعب انه يخشى الاحتقار ويخشى الاهانة فيتحدى تعبه ليكون عند حسن ظن من حوله فيزيد مجهودا على مجهود وبما انه تعب فان المجهود سيكون مضنيا كما لو انه يستعمل كل عضلاته لفتح باب , لكنه يصر يعاند ويكابر ويواصل العمل فيصل بسرعة الى التعب الاعظم super fatigue واستنفاذ الطاقة épuisement
حين نتفحص الحالة الطبيعية للانسان نجده:
- يعمل دون ملل فالعمل هو طبيعة الانسان وهذا الجهد يمكن ان يكون يدوي عضلي فكري او غير ذلك
-يقوده عمله الى شعور بالتعب "تعب طبيعي" انه تعب يبعث على السرور لانه عادي
-العمل يتباطئ ثم يتوقف فيكافئ الانسان نفسه باسترخاء تام
-يسترجع طاقته ثم يعود للعمل من جديد
فيمر الانسان الطبيعي دائما وبانتظام من العمل الى الراحة ومن الراحة الى العمل مع وجود اشارة التعب بينهمافلنتفحص الان حالة الانسان الذي تحدثنا عنه سابقا
-يعمل بصعوبة وبطريقة سيئة لانه تعبان
-يصل الى التعب الاكبر
-يرفض هذا التعب الكبير ويواصل العمل
-فيصل الى تعب اكبر واكبر
-فيتحداه ويصل الى استنفاذ الطاقة"l'épuisement"

الاثار المباشرة للارهاق l'épuisement :
ينتج عن الارهاق رد فعل مزدوج الانهيار العصبي Dépression و فرط النشاط Agitation كلاهما بالتناوب, لا يوجد انهيار عصبي دون فرط نشاط ولا فرط نشاط دون انهيار عصبي, وهي بالطبع مميزات الانسان المرهق يتارجح دون توقف بين هذين القطبين, الموجة الهادئة لعدم الاستقرار الطبيعي اصبحت موجة مجنونة, تمس القطبين بتناوب فيصبح الانسان المرهق كاريكاتيرا للانسان المتعب طبيعيا.فيصبح: -تقعر الموجة الذي يمثل "التعب الطبيعي" يزداد عمقا فيصبح " انهيار عصبي" - وتحدب الموجة الطبيعية الدي يمثل "العمل" يصبح مبالغا في آثاره ويصبح فرط نشاطفبعد ان كان المرجع: - يعمل الانسان - يتعب - يرتاح -يعمل مجددا يصبح:-يعمل بعصبية وعشوائية -يصبح مرهقا -لا يستطيع الراحة - يعود للعمل بعصبية , ثم ينهار... تصبح ادن سلسلة لا تتوقف وتتواصل دون راحة ولا نهاية, لان التعب متل السم, يسبب الذهول "la stupeur" من جهة ومن جهة اخرى فرط النشاط "Agitation".

الانسان المرهق يحصد الاستهجان:

خلال فترة الانهيار يتقلص النشاط بشكل كبير فتتباطؤ اشارات وحركات المنهار بسبب اقتصاد الطاقة الحيوية فيشكو من التعب وقلة النوم ويظهر عليه غالبا نقص الوزن ويتذبذب اداء جهازه الهضمي وربما يحس ارتجافات ناتجة عن التعب وكذلك تضعف رؤيته ويتعرض لاضطرابات قلبية.....الخ الانهيار ينتج اليا صعوبة في التصرف, لكن مجرد وجود عدم قدرة على التصرف والعمل فهذا يعني ان الطاقة لم تعد كافية كي يؤدي اعماله على اكمل وجه وبكل راحة وتلقائية فيصبح مجرد عمل بسيط بمثابة جر جبل بالنسبة للمنهار.فمن الطبيعي اذن ان يتفادى المنهار كل ظرف يتطلب الحركة لان جهازه العصبي لا يسمح له بهذه الحركة.كل هذا اذن آلية فيزيائية بحتة, لكن كيف يفسر المجتمع هذا التقهقر والتراجع امام الحركة Action؟ يدعي المجتمع ان المنهار يفتقر للطاقة وهو امر صحيح لكننا نرتكب خطا جسيما باعتقادنا ان الانسان يستطيع ان يتحكم في طاقته وانه ينتجها بارادته, وهو خطا تماما اذن المجتمع يقول ان المنهار تنقصه الطاقة لانه لا يملك ارادة قوية وما هو ادهى من ذلك ان يجعله مسؤولا عن نقص الارادة دون ان ننتبه الى كون الارادة الطبيعية هي مسالة صحة وتوازن Santé et équilibre فبدل ان نقول:اكتسب الارادة" يجدر بنا القول "اكتسب صحة جسمية وعصبية لتحصل آليا على الارادةلان الارادة ببساطة هي الاريحية Aisance تكمن الارادة في ان تصرح :" اريد ان افعل كدا وافعله دون صعوبة وبراحة تامة Aisance parfaite" نستطيع الحوصلة كالتالي:اذا تطلب اكمال عمل ما استدعاء الارادة فهذا يعني اننا نفتقد للارادة الحقيقية. بمجرد ان نحس بتوتر تختفي الارادة السلسة.بمجرد ان نتقاتل مع مشكل ما, فان المشكل ينتصر علينا الارادة الطبيعية والصحية السليمة يجب ان تكون شفافة وتلقائية تماما كما تكون الاناقة اواللباقة. الفعل الناجم عن ارادة طبيعية يكون كالاغتراف دون جهد من مخزن الطاقة لكن المسالة تصبح دائما مغلوطة بتدخل الاحقية الاجتماعية في الثناء "كلما تخطى احدهم الصعاب اكثر كلما زادت احقيته"لكن اليس اكثر بساطة لو قلنا كلما امتلك انسان الصحة والتوازن, يتصرف ويعمل افضل ويتمكن من تقليص الجهد والطاقة التي يحتفظ بها وتجعله مستعدا لاعمال اخرى؟


اقرا بقية الموضوع هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق